بعد ، نأى ، ولى
البعد هو مصيبة المصائب و ما من مصيبة أعظم من البعد في الدنيا و الآخر إلا في حالة واحدة قال تعالى : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) [ سورة الأنبياء : 101 ] .
و ما عدى هذا فالبعد سلبي .
فالبعد في القرآن له منظومة عجيبة ، فقد أستعملها القرآن استعمالاً ليبين لنا وجهاً من أوجه الإعجاز من حيث أن الله سبحانه و تعالى أختار الكلمة المناسبة في هذه المنظومة لكي يعطيك معناً إضافياً أختار الكلمة المناسبة يتجاوز المعنى اللفظي للكلمة فعندما : بَعَدَ ، أَعرَضَ ، نأى ، شط ـ ولى ـ طرد كلها بمعنى البعد و لكل نوع من أنواع البعد كلمة ترسم زاوية دقيقة من زوايا صورة البعد و البعد صورٌ متعددة و إلا فالبعد هو ضد القرب و ليس للبعد و القرب حدّ أدنى و لا أعلى و لكنه مختلف متباين و لكن إذا أطلق فهو يعني شيئاً عظيماً قال تعالى: ( ألا بعداً لمدين ) [سورة هود ] .
و قال تعالى
ألا بعداً للقوم الظالمين ) [سورة المؤمنون 41].
و لذلك هذا البعد باختلاف بسيط في نوعه و شكله يأخذ كلمة أخرى .
أعرض : أبتعد عن شيء معين و لكن الإعراض : أن تعلن بعدك و رفضك .
نأى : بعد مع تنزيه عن ما ابتعدت عنه .
قال تعالى : ( و إذا أنعمنا على الإنسان أعرض و نأى ) [ الإسراء 83 ] .
فهنا نزه نفسه عن ذلك أي أنه ليس المسؤل عن ذلك و لا يجب الاقتراب منه .
يقال : فلان نأى بنفسه عن المجرم ، ليس كل بعدٍ نأي و كل نأي بعد .
شط : هو البعد عن الصواب بالذات ، كل شيء صواب إذا ابتعدت عنه يسمى شططا.
و لهذا سمي الشط شطا ً لبعد حافتيه عن الماء .
و معروف أهمية المياه و أنها مصدر للحياة و كذلك حافتا النهر تبعدان عن الماء فلكل بعد عن شيء قيم هو شطط .
قال تعالى : ( لن ندعوا من دونه إلاهاً لقد قلنا إذاً شططا)[ سورة الكهف : 14 ) أي قولا بعيداً عن الصواب .
و قال تعالى : ( و أنه كان يقول سفيهنا عن الله شططاً ) [ سورة الجن : 4 ] .
ولى : بعد بسرعة قال تعالى : ( فلما رآها تهتز كأنها جانٌ ولّى مدبراً و لم يعقب) [سورة النمل: 10] .
و قال تعالى ( و إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ) [ سورة آل عمران : 111] .
طرد : ابتعاد مستمر لا ينقطع يقال كلام مطرد أي مستمر .
أنهزم أو هزم :هرب بعد أن بدأت المعركة يبتعد قال تعالى : ( فهزموهم بإذن الله ) [ سورة البقرة : 251 ] .
جفا: الجفا كما يعرفه المحبون و الشعراء ، فالجفا : هو بعد مع كراهية أو ملك حبيب يحب حبيباً فكرهه .
قال صلى الله عليه و سلم ( من بدا جفا ) [ الجامع الصغير : 8557] . معنى الحديث أي من سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس .
قال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً و طمعاً و مم رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) [ السجدة : 16] .
هذا الكلام لمصلي الليل من نوع خاص حيث تعودت جنوبهم عن عدم المنام مع كراهيتهم للفراش ، فقد أنس بالله و أشرقت نفسه بمجالسة الله تعالى و بالعكس بدأ يكرهه و سأم منه لأه ذاق حلاوة الحضور مع الله تعالى أي أصبحت صلاتهم بالليل دأبهم و ديدنهم بحيث أنهم كرهوا النوم .
بَعََدَ : بعد يبعد بعداً فالبعد مصدر لبعد ، قال تعالى : ( ألا بعداً لمدين ، كما بعدت ثمود ) .
البعد : نوعان بعد نسبي و بعد مطلق ، فحينما جاء قوله ( ذلك هو الضلال البعيد ) [ سورة إبراهيم : 18] فهو الشرك .
وعن عمار بن ياسر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: "آمين آمين آمين". فلما نزل قيل له، فقال:
"أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين. ورغم أنف امرئ أدرك أبويه فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ورجل ذكرت عنده فلم يصلي عليك فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين".
رواه البزار وفيه من لم أعرفهم.[ مجمع الزوائد : كتاب الأدعية ] .
البعد : هنا بعد دائم لا عودة فيه .
السبب في ذلك أن بر الوالدين و صوم رمضان و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم من أرجا الأعمال يوم القيامة فهي من أسباب القرب من الله يوم القيامة .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من صلى عليّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً.[ صحيح مسلم : 1/291].
بعد : يقال : دخل فلان بعد فلان
و دخل فلان وراء فلان
و دخل فلان خلف فلان
قال تعالى : (أم أنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ) [ سورة البقرة : 133].
قال تعالى: ( قال رب أغفر لي و هبني ملكاً لا ينبغي من بعدي )[ سورة آل عمران : 170].
و قال تعالى : ( و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) [سورة آل عمران : 170].
و قال تعالى : ( و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) [ المؤمنون :100].
و قال تعالى : ( فبشرناه بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب ) [ هود: 71] .
و قال تعالى : ( و إذا سألتموهم متاعاً فسئلوهن من وراء حجاب ) [ الأحزاب : 53].
كلمة بعد عكسها قبل فهي زمانية و القبل و البعد لا يجتمعان .
خلف و عكسها أمام : مكانية فالخلف و الأمام قد يكونان في آن واحد ، فأنا خلف الطاولة و أنا أمامها .
من خلفهم : بمعنى عند غيابهم.
الوراء : بمعنى المهانة ـ الستار و الاختفاء المريب و الغموض .
قال تعالى : ( فنبذوه وراء ظهورهم ) [ آل عمران : 187] و هنا إهانة و إذلال .
قال تعالى : ( لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ) [ سورة الحشر : 14].
و قال تعالى : ( و من أبتغى وراء ذلك ) كل ماعدا ذلك من الزواج و ملك اليمين كله مريب .
الإمام الغزالي أشار إلى البعد و القرب فذكر البعد الأعظم و هو بعد إبليس فيقول لما أمر الله تعالى إبليس بالسجود فأمتنع فأعقبه الله تعالى بالبعد إشارة إلى أن السجود علامة من علامات القرب و الامتناع عنه علامة من علامات البعد . قال تعالى ( فأسجد و أقترب )
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد فأكثروا الدعاء ) [ سنن أبي داود : 873].
و من كرم الله تعالى على عباده أن جعل أعظم الثواب بأيسر الأعمال قال صلى الله عليه وسلم :
(من صام رمضان إيماناً ـ تصديقاً بأنه فرض ـ و احتسابا ـ أي طلباً للثواب ـ غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ) [ سنن النسائي : كتاب الصيام ] .
قال تعالى ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) [سورة مريم : 59] .
القرآن فيه مشترك و ليس فيه مترادف ، أي قد يكون للكلمة الواحدة عدة معاني و لا يكون لها مرادفات أي خلفوا بعضهم في عصر واحد .
المدح : إظهار الثناء على المثنى عليه لمزية فيه دون أن يكون من دون بدوا فضل لنا .
الشكر : بعد الفضل .
عن أبي أمامة رضي الله عنه ( أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي العمل أفضل قال : عليك بالصوم فإنه لا عدل له ) [سنن النسائي :كتاب الجنائز][/b]